قيل إن المشربية تحريف ظاهر لكلمة (مشرفية) أي التي تشرف منها النساء علي الطريق أو لكونها طاقة خارجة تشرف علي الشارع.
أو أنها سميت المشربية لأن اواني الشرب الفخارية (القلل) كانت توضع بها، حيث بروز المشربية عن سمت المبني يضمن تيار الهواء المتجدد لتبريد
المياه.
رأي ثالث يري انها سميت المشربية لصناعتها من خشب يعرف (بالمشرب) وهو نوع من الخشب الجيد له لون بني داكن، يتميز بصلابته وتحمله لحرارة الشمس والعوامل الجوية الأخري.
وهناك مسمي اخر للمشربية ورد في الوثائق وهو (الروشن ) وهي من الفارسية (روشندان) وتعني موضع المصباح أو مكانا يدخل منه النور، ومن
الفارسية (روزن) بمعني النافذة أو الشرفة.
والمشربية من أعمال خشب الخرط الذي وجدت منه نماذج بدائية منذ العصر اليوناني الروماني كما وجدت نماذج من احجبة الخرط في البيوت والكنائس القبطية منذ القرن الثالث عشر الميلادي.
وبدخول الاسلام مصر احتضن الفنان المسلم فن صناعة الخرط وأضفي عليه طابعه الإسلامي الخالص وبز في هذا الفن الكثيرون منهم (أبناء موسي بن شاكر) القرن الثالث الهجري (وثابت بن قرة 288) و (الحسن بن الهيثم 430) (والجوهري 214) و(شمس الدين السمر قندي .672).
وكان للفنان المسلم لمساته الفنية وصنعته الماهرة في الاعداد الهندسي المسبق لأشكال الخرط ويعرضها علي شيخ الصنعة (كبير الخراطين) الذي يجيزها ويشرف علي عملها حتي تخرج بالشكل المتقن المطلوب.
وقد استخدم الصانع انواعا جيدة من الخشب لصناعة شبابيك الخرط والمشربيات منها خشب الزان والأبانوس والارز والجوز والنبق والبلوط والتوت والجميز.
أما عن الدهانات فقد تركت المشربيات علي لون الخشب الطبيعي معتمدة علي تباين ألوان الخشب المستخدمة كما أن القليل من المشربيات كان
يضبغ بالأحمر والأخضر .
ولقد ابدع الفنان المسلم في صناعة العناصر المكونة للمشربية وتفنن في ضبطها وتنميقها هندسيا، وحرص عند تعشيق الحشوات علي ترك فراغات بين الحشوات المخروطة مراعاة لما يحدث للأخشاب من تمدد وانكماش ومما يثبت عبقرية الصانع هو إنجازه لهذه الوحدة الزخرفية المعقدة التركيب دون استخدام الغراء أو المسامير معتمدا فقط علي اسلوب التعشيق ودقة الصنعة.
كما يراعي الصانع أن يجعل الخرط الواسع كبير الحجم في الجزء العلوي من المشربية، ثم يستدق شغل الخرط كلما اتجهنا إلي قاعدة المشربية حيث يستخدم الخرط الضيق الدقيق الحجم ، وبذلك يضمن التهوية والإضاءة من أعلي والحجاب الساتر من أسفل.
واستخدمت المشربيات على نطاق واسع بالعمارة الحجازية وإن اختلف في تسميتها؛ حيث عرفت بالروش أو روشان وهي تعريب للكلمة الفارسية (روزن) وتعني النافذة أو الشُّرفة، وتجلَّى ذلك في منازل مدينة ينبع وجدة والطائف والمدينة المنورة؛ حيث بلغت من الكثرة بحيث يتصل بعضها ببعض، أما بلاد اليمن- وبصفة خاصة مدينة صنعاء وما حولها- فقد انتشرت فيها المشربيات، خاصةً في العصر العثماني؛ ولذلك عُرفت باسم الشبابيك التركية، كما انتشرت في مدينة القدس وطرابلس بلبنان وسواكن بالسودان وفي بلاد المغرب وإن اختلفت في بعض تفاصيلها عن المشربية المصرية.
وقد وصل فن المشربية درجة كبيرة من الإتقان في مصر خلال العصر المملوكي، ويظهر ذلك بوضوح في القاطوع الخشبي المنقول من مدرسة السلطان حسن إلى متحف الفن الإسلامي بالقاهرة وفي مجموعة المشربيات في منزل زينب خاتون وغيرها.
إلا أن فن المشربية تظهر أجمل نماذجه في منازل القاهرة ورشيد وفوه التي ترجع إلى العصر العثماني.
ومن أجمل النماذج المملوكية للمشربيات:
مشربيات ومغاني قصر بشتك ق 7 هجري والمشربيات وأعمال الخرط بقصر الأمير طاز ومشربية تعلو سبيل جوهر اللالا.
ومن النماذج العثمانية:
مشربيات وشبابيك منزل الهراوي، وأعمال الخرط في منزل زينب خاتون والهراوي ومنزل السحيمي .
والمشربيات واحدة من العناصر المعمارية التي استوحاها الفنان المسلم من شريعته الغرَّاء الإسلام، فقد ساهمت العقيدة الإسلامية والنظم الاجتماعية بما تتضمنه من قيمٍ وتعاليم في خصائص العمارة، وفي مقدمة هذه الخصائص الحفاظ على الخصوصية للأسرة المسلمة؛ باعتبارها لبنةَ المجتمع، وذلك بعمل نوافذ تطلُّ على الشارع ثم معالجتها باستخدام المشربيات لتضفي على تصميم البيوت طابعًا خاصًّا من التستر والمحافظة على حرمة الأسرة وحماية أهل المنزل من عيون المارَّة في الشوارع والطرقات، وكذلك من عيون أهل المنازل المقابلة.
كما تُعتبر المشربيات من أهم المعالجات المعمارية للبيئة المناخية في البلاد الإسلامية ذات المناخ الحارّ، فقد ساهمت في تلطيف حدة الضوء من واقع البرامق وما تحققه من انزلاق للهواء على سطحها وما تعطيه من تهوية جيدة، فمن مميزات المشربيات تقليل نسبة الأشعة المارَّة من خلالها وكسرها، فتدخل غرف المنزل وقاعاته هادئةً، ومن فوائد المشربية أيضًا ضبط تدفُّق الهواء، فعن طريقها يمكن التحكُّم في سرعة الهواء وتدفقه داخل الحيِّز الداخلي للمنزل، كما أن بروز المشربية عن مستوى الحائط يُتيح لها التعرضَ لتيارات الهواء الموازية لواجهة المنزل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق